رندة حجازي .. حاورها: كابي يوسف
ضيفتنا كحبة الرمان صلبة جريئة لها حضورها المميز، وبذات الوقت هي لطيفة رقيقة حضورها الأنثوي طاغي.. تبهرك بفكرها وثقافتها وإبداعها وهي خريجة كلية الاعلام في جامعة دمشق ٢٠٠٨. لها العديد من المعارض الفنية (حبة الرمان – والبقاء أو الرحيل – كندا) (ما بين الملائكة والبشر- الامارات) (٢٢ قبلة – بيروت).. وحضورها الإعلامي مميز ومكثف في العديد من الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية. والقادم أجمل خاصة انها حازت منذ أسابيع قليلة على جائزة أفضل نصب تذكاري في كندا. تابعوا حوارنا مع الضيفة العربية السورية المشرقة السيدة رندة حجازي.
البطاقة الشخصية..
فنانة تشكيلية من ريف دمشق – سوريا، خريجة كلية الفنون الجميلة.. منتسبة إلى نادي الامارات ودائرة فنانين ونحاتين كيبيك ومؤخراً في المجلس الفيدرالي الكندي. متزوجة ولديها طفلتان.. تقضي وقتها مع عائلتها وفي مشغلها الفني.
* ابنة سورية ما الذي تحلم به وتتمناه لوطنها في قادمات الأيام؟
– سوريا تمر بأزمة لكنها أكبر بكثير من أن نشعر نحوها بالشفقة. سوريا وطن عظيم وشعب عظيم وقادرة أن تقوم من أزماتها الصغيرة والكبيرة وتاريخها وحضارتها تشهد لها وما مرّ على سوريا عبر التاريخ يثبت انها قادرة على النهوض من تحت الركام وأن تثبت حضورها في جميع دول العالم وليس الوطن العربي فحسب. دور سوريا في العالم كبير عبر التاريخ ابتداء من اختراع الأبجدية وصولاً إلى انجازات الكثير من السوريين عبر دول العالم. أتمنى أن تبقى سوريا عظيمة كما عهدناها وأن يرتاح شعبها ونرجع نعاين البسمة والابداع والثقافة تشعشع في قلب سوريا النابض.
* أمام واقع مرير ومؤلم بصراحة: هل يقدر الفن، أي فن أن يقوم بدور ما؟
– الفن أولاً وأخيراً هو جزء من ثقافة الدول حاله كالعلوم والآداب، وإن عدنا إلى التاريخ نجد أن الفنون هي التي بنت حضارة المجتمعات وبالتالي الفن له دور، وهو يوثق التاريخ. مشكلتنا أن الناس في سعيها وراء أساسيات الحياة تعتبر الفن من الكماليات. وما يجب أن نعرفه جميعنا: “الفن ليس حالة من الترفيه الفكري بل هو حاجة فكرية أساسية”. عندما تربي ابنك في مجتمع مثقف ومبدع فنياً سينال طاقة وينمو فكره وبالتالي وبالتالي انت تبني مجتمع بأكمله وسيقدر حتماً أن يعطي صورة مميزة عن بلده.. أنا اصرخ دوماً واطالب المجتمعات والأهل والمدارس أن الفن حاجة أساسية يجب أن نعلمها لاولادنا وليس فقط الطعام والعلم بل أيضاً تغذية الإحساس الداخلي عند كل إنسان لينمو لديه الشغف والعطاء والاحساس بالغير. هو غذاء روحي هام جداً.
* هل المطلوب في رسالة الفنان: التغيير أم التحفيز أم تسليط الضوء على الواقع؟
– الفن خليط من كل شيء.الفن بداية هو بمثابة تسليط الضوء على الواقع، حدث أو فئة معينة من الحياة. لذلك اكرر القول دائما أن قضايا الناس المستضعفة والفقيرة تحتاجنا لنعبر عنها ونوصل صوتها إلى أصحاب القرار.
التحفيز أيضاً مطلوب فالفن ممكن أن يقوم بثورة من خلال المسرح أو الدراما أو الموسيقا. الفن برأيي: إعادة صياغة حتى الواقع المشوه أنا اتأثر فيه بطريقة ايجابية لاقدم فناً قادراً أن يؤثر في المجتمع. الفنان الحقيقي مليء بالمحبة والطاقة ويجب أن يظهر هذا الأمر في أعماله وطرق تعبيره. الفنان الحقيقي إن وضع احساسه في اللوحة أو العمل الابداعي سوف يصل إلى الناس وإن كان المتلقي قد لا يلتقط الرسالة في اللوحة مثلاً من أول مرة.
خلاصة القول: الفن قادر على التغيير والتحفيز وتسليط الضوء على الواقع أيضاً.
* كيف نُعرف الفن والفنان التشكيلي؟
– هو أصعب سؤال لأن الفن التشكيلي وإن كان حقيقة لكنها غامضة. الفن لغز كل إنسان يحله بطريقته. والفنان أيضاً كل إنسان يراه بطريقة ما بحسب ثقافته ونظرته. ممكن أن يرى الفنان التشكيلي معطاء وموهوب يقدم خدمات جلة لمجتمعه وممكن أن لا يهتم بالأمر ويقول: ماذا تفيدني هذه اللوحة؟
الفن موهبة من الرب وكم أتمنى أحياناً أن احصل على إبرة موت الرحمة لأن الفن يستنزف الروح إلى أبعد حد ممكن أن تتخيله. الفن متعب وممتع بآن واحد. الفنان والفن تركيبة معقدة ولا تقدر أن تخرج منها لذلك لا اقدر أن استوعب أي فنان يقول: “أنا اعتزلت الفن”. أنا والفن ولدنا من رحم واحد وسنموت معاً.
الفنان يعيش عكس المسار وفي الفن من المنطق ألا تفكر بالمنطق بل تعيش خيالك والفانتازيا وتكون خلاقاً لكي تخلق عالماً جديداً.
* صفي لنا من فضلك الحالة المزاجية التي يجب أن يتمتع بها الفنان لكي يبدع؟
– الفنان جزء من مجتمعه وهو أكثر إنسان يمتص ما يحدث ويلتقط تفاصيل صغيرة للحزن والفرح أيضاً. الفرح والألم يحفزان الفنان وهناك طقوس مختلفة نمارسها (وحدة – غيبوبة – اختفاء وانفصال عن العالم – توحد عن الذات). ادخل أحياناً إلى المشغل لارسم واضع في بالي اني ساعمل لفترة قصيرة ولا اشعر إلا وساعات تمضي حتى الفجر.
* ما حال العائلة أمام هذا الواقع للفنان وهل تقدر أن تتفهم؟
– الأمر صعب وعذاب للطرفين لكني احاول أن انظم وقتي واضبط الأمور خلال فترة النهار لأن الليل هو الوقت المناسب للرسم بينما النهار كله لعائلتي وبناتي. اعطيهم كل الوقت نهاراً واعمل ليلاً.. ومساء لا ينزلون للمرسم ويقاطعوني بل على العكس هم يتفهون انشغالي أحياناً(بالمعارض) خلال النهار ويساعدونني لكي استمر.
* قلت ذات مرة: الفن روحي وطاقتي الفنية يجب أن تتفرغ يومياً.. إلى أين تقدر الروح أن تصل في ابداعها وتجلياتها؟
– هي حالة التصوف الروحانية.. عندما اشتغل في لوحة ما، وأعمالي لا ارتجلها بل ادرسها مسبقاً واجمع معلومات كافية عنها، تراني ادخل في حالة الغيبوبة وعندما اعود للواقع اكتشف الفارق بين ما خططت له وما نفذته فعلياً. اشعر أن الروح تقودني لكن عندي حالة من الوعي أيضاً، واثناء إطلاق العنان لنفسي روحياً لا اسمح بغياب الوعي لكي لا تسود الفوضى ولكي يتم ضبط قواعد وأصول الفن. هو مزيج غريب لكنه جميل جداً.
* وصلت إلى كندا منذ مدة قصيرة كيف استطعت الاندماج والانطلاق؟
– هو حب الحياة وبالتالي الإنسان يجب أن يتاقلم مع واقعه وأن لا نضع الحزن والصعوبات التي مرت علينا كعائق في حياتنا. عندما تدخل أي اكاديمية عالمية كطالب يجب أن تحمل قلماً لترسم لكن ممنوع استخدام الممحاة. واقعياً المطلوب أن ننطلق إلى الأمام بدون أن نمحي الماضي. امشي ولا يتغير الماضي والذكريات والاسم الذي بنيته في الامارات وسوريا وهنا في كندا.. عند وصولي اعتبرت نفسي إني في منفى لكن بدلاً من اللطم على الماضي قررت أن افهم ثقافة وقوانين البلد ونظام العمل فيها وبالتالي ساعدني هذا الفهم على التأقلم والاندماج حتى مع الطقس الصعب. أيضاً يجب أن نتعلم لغة البلد وأن نُحب كل الناس ونتعامل مع الكل بعيداً عن الطائفية والعنصرية. احبب الناس فيبادلونك المحبة حتى مع وجود بعض الأشرار لأن الخير يسود، والحب هو الذي ينتصر.
* عندك حالة عشق لكندا على مايبدو. ماالذي تودين تقديمه لهذا البلد كرد للجميل؟
– الكثير جداً. عند وصولي كنت اقول ” كم هي صعبة البلد” وأنا أين مكاني بين طاقاتها ومبدعيها وفنانيها؟ لكن بعد وقت قصير شعرت بتقدير وامتنان لي ولفني من الكثيرين وبالتالي صارت محبتي لا توصف للبلد التي احتضنتني وقدمت لي الفرص وبالتالي لم اعاني واتعذب كثيرا لكي اصل لما أريد. اكتشفوا الشيء الجميل عندي فاحتضنونني لكي انجح. عندي احساس كبير برد الجميل وفي بالي مشروع تكريمي كبير لرد الجميل لكندا وسأُفصح عنه عند جهوزية تفاصيله.
* ما مفهومك للجمال؟
– هو علم قائم بحد ذاته.. له نظرياته المختلفة. منها تقول: أن الجمال شيء موجود بذاته ونظرية أخرى تقول: انه شيء نابع من ذاتك. الفيلسوف افلاطون يسأل تلميذه: ما هو مفهومك للجمال؟ وصاروا يتناقشون لكنهم لم يصلوا لنتيجة واضحة. اجد الجمال في كل شيء جميل انقله وكل قبيح اُجمله وهنا حلاوة الجمال. والمهم أن تصل إلى القيم العليا للجمال عندما تؤثر في الناس وتجعلهم يستمتعون بالفن التشكيلي الصامت الذي تشغله البصيرة أكثر من باقي الحواس.
في أحد المعارض امراة تقول لبيكاسو: اللوحة جميلة لكني لم افهمها. فأجابها الفنان الكبير: هل تستمعين بأصوات البلابل؟ فأجابته: نعم. فقال: هل تفهمين ما يقولون. فردت: لا. فأجاب: نفس الشيء في الفن، المهم أن تشعري بالعمل وتستمعي به.
* وجهت ٢٢ قبلة للدول العربية في معرض سابق لك. لمن توجهين اليوم قبلاتك الفنية والابداعية في عالم يكاد يغرق في الظلمة وقساوة القلب؟
– أول قبلة أوجهها إلى جميع أطفال العالم الأبرياء من يحملون قلوب الملائكة. من يولدون أنقياء وتشوههم الحياة.
وكذلك العديد من القبلات التي فيها صرخة وتنبع من الداخل لكل إنسان مستضعف ويتعرض للقهر والظلم والمتضرر بالحرب والجوع.
* كلمة أخيرة!!!
– اطلب المحبة والسلام بين الكل وأن نتعاون ونكون في الغربة يداً واحدة. لأن وجعنا كدول عربية واحد ويمر على الكل واحداً تلو الآخر. أتمنى لمجلتكم” زهرة كندا” التوفيق. بداياتكم ممتازة ومن خلال نظرتي الإعلامية والفنية شعرت بالتميز في مجلتكم وانكم ستستمرون وتتطورون ونجاحكم هو نجاح لجميعنا كأبناء جالية.