د. برسيس فكري
yousefpersis@gmail.com
الكثير منا يشعر بالغربة والحنين إلى الوطن وخاصة في أوقات الأعياد والمناسبات الخاصة التي لطالما تمنينا أن نكون سوياً مع عائلاتنا .
الذاكرة تسجل جيداً المشاعر الملازمة للحدث حتى وإن لم نتذكره بكل تفاصيله .نحن نتذكر مثلاً الفرح الشديد الذي شعرنا به عندما اجتمعنا كعائلة إحتفالاً بمولود جديد انضم اليها ونفرح كما لو أن هذا الحدث كان البارحة ونتذكر حزننا جيداً على فقد أحد الاحباء وتدمي قلوبنا من جديد مراراً وتكراراً ونفكر أنه ربما كلما طالت السنين وصارت الذكرى بعيدة سننساها وننسى المشاعر المصاحبة لها ولكن هيهات فكلما مرت السنون كلما تذكرناها أكثر فأكثر. وكأن السنون تضيف إلى مشاعرنا ناراً جديدة لتظل مشتعلة.
دائماً ما تكون الذاكرة المرتبطة بالمشاعر أكثر تذكراً من الذاكرة المرتبطة بالمواقف، فتلك هي طبيعتنا الإنسانية التي خلقنا عليها الله سبحانه وتعالى.
وكثير من هذه الأحداث تكون مصاحبة لازدياد عدد ضربات القلب وسرعة في التنفس ويمكن أن يصاحبها بعض الدموع سواء الفرح أو الحزن ويتم تسجيلها في جزء من المخ بنفس الأحاسيس والتفاعلات الجسدية، وكلما تتذكرها، حتى وإن لم نتذكر الحدث كاملاً فاننا نتذكر معه هذه التفاعلات الجسدية فماذا نفعل إن كنّا في غربة ولكن بداخلنا حنين إلى العائلة والأقارب والغرفة والمكتب والشارع والحارة وخبز الجدة وإلى أشياء وأشخاص لا تحصى ولا تعد!!
فسحة أمل
تضيق نفوسنا عند تذكر كل هذا ولكن حمدلله أننا نمتلك من الذكريات الجيدة ما يكفي لأن نعيش على ذكراها وأن نحكيها لأولادنا وأحفادنا حتى وإن مررنا بأوقات مريرة في طفولتنا كالحروب والفقد ولكن هناك ذكريات مفرحة نحتفظ بها في عقولنا ومشاعرنا. فالجذور لا يمكن ان تنتزع ولا يستطيع أحد أن يسرقها منا ونحن الذين نمتلكها بل ونستطيع الاحتفاظ بها. ولنأخذها فرصة جيدة لأن نبني ذكريات جميلة وروابط جديدة بالمكان الجديد الذي استوطنا فيه ومع الجيران الجدد المحيطون بنا فتنمو الذكريات التفاعلات البشرية وتكبر ولا يحدها مكان أو زمان ولا تكون متعلقة بماضينا فقط ولكن بحاضرنا ومستقبل أولادنا، فالبناء لا يقل أهمية عن الأساس الذي أتينا به من بلادنا. فلنمزج الماضي بمشاعره الجميلة بالبناء الحاضر الذي سيستمر في المستقبل.