زهرة كندا تفرد لكم زاوية في كل عدد لأجل صحتكم النفسية. تديرها وتشرف عليها ومن خلالها تجيب على أسئلتكم واحتياجاتكم النفسية الاخصائية في علم النفس د. برسيس فكري.
yousefpersis@gmail.com
د. برسيس فكري
نحن نعيش في عالم مليء بالصراعات، بدءً من الصراع اليومي على لقمة العيش وتأمين الاحتياجات الاساسية للحياة، والصراع للحفاظ علي المبادىء والقيم، والصراع لأجل العيش بكرامة، إلى الصراع من أجل الحفاظ على الوطن والانتماءات بمختلف مستوياتها.
وفي أثناء هذه الصراعات -التي نخرج منها مستنزفين عادةً- نجد أنفسنا في بعض الأحيان سائرين في الدرب مدفوعين ومحمولين بكل القيم والوسائل التي تعلمناها منذ نعومة أظافرنا. في نفس هذا الدرب الذي سلك فيه أجدادنا من قبلنا دون تفكير، فهو الأصلح والاكثر أماناً دائما.
واحدة من أهم هذه الصراعات هي الصراع لأجل البقاء، ولا أقصد هنا البقاء بمعنى الاستمرار وحسب، بل أعني البقاء بصحة نفسية وروحية وجسدية، لأن كثيرون باقون ولكنهم منسحقون تحت الألم. وما أصعب الاستمرار تحت هزيمة الألم. وسأخصص الحديث اليوم عن ألم الاساءات، فمن منا لم يجرب مرارة الاساءة من الاخرين مرات عديدة. والاساءات تكون أشد ألماً وايذاءً إذا كانت من أقرب المقربين..
وللأسف فالكثيرون منا يعيشون ويصارعون يومياً ألم إساءة الاخرين لهم، ويعانون كل يوم مرارة عدم القدرة على الغفران لمن أساءوا إليهم. وتظهر هذه المرارة في أعراض قلق ومزاج سيء وأرق وألام بالجسد وضعف عام و ذكريات مؤلمة وأحلام مزعجة والى آخره من الاعراض.
فإذاً ماذا نفعل؟
أنرد الاساءة بالمثل أم ننتقم أم هناك خيار أخر؟
اذا رددنا الاساءة بمثلها لنشفي غليلنا، فلن تتوقف الاساءة أبدا، فالغضب والكره قوة هائلة لا يمكن تجنبها، قادرة على الانتقال من جيل لجيل دون توقف وقادرة على تدمير أنفس و أجساد أجيال كاملة.
أما اذا إنتقمنا لأنفسنا، فرددنا الاساءة عشرات أضعافها لننهي تكرارها ونشفي ألمنا الداخلي (والذي قد يهدأ فعلا لبعض الوقت ) فإننا نفقد جزءً من إنسانيتنا، واذا فقدنا جزء منا لابد أن لا نتوقع ان نعمل بنفس الكفاءة او الابداع السابقين ولا نتوقع ان نعيش في سلام مع أنفسنا أيضاً.
أما الاختيار الثالث هو أن ننهي هذه الاساءة ونقابلها بقوة أكبر وأعظم من الغضب الداخلي، قوة حقيقية تشفي الغليل وأن نقرر أن نسير درباً مختلفاً عما توارثناه واليكم خطوات هذا الدرب..
الطريق الجديد
١- أن نقر ونعترف انه تم الاساءة إلينا وأيضا أن نقدر حجم مشاعرنا المتألمة ولا نلم أنفسنا بل نحترم مشاعرنا فيمكننا أن ننوح ونحزن بسبب ما حدث لنا.
٢- أن نستبدل الأماكن ونضع أنفسنا مكان المسيء، فربما لو كنا مكانه وفي نفس ظروفه لكنا نحن بدورنا مسيئين أكثر.
٣- أن نسلم المسيء للخالق العادل، فكلنا لدينا أخطائنا وإسائاتنا بعضنا نحو بعض.
٤- أن نستغل هذه الطاقة الهائلة لصنع فرقاً إيجابياً،كأن تستبدل طاقة الغضب في لعب الرياضه المفضلة أو لدراسة شيء معين وهكذا. فلا نسمح للمسيء بأن يسجننا مرة أخرى في الاساءة وذكريات الماضي.
٥- اذا كان هناك مجال للعتاب المحب الرقيق فلنعاتب، واذا لم يكن فلنمضي قدما في طريقنا مركزين على أهدافنا متخذين الحدود في هذه العلاقة.
ولنتذكر إن معظم الابداعات في حياتنا خرجت من رحم الألم.وأننا لسنا وحدنا في هذا الطريق.فننعم بالسلام الداخلي
فأي الخيارات عزيزي تختار؟