أطلقت مجموعة من اللاجئين السوريين المقيمين في أوروبا مبادرة جديدة بهدف تسهيل الوصول إلى أوروبا، تحت مسمى “قافلة النور”، سرعان ما لاقت تفاعلاً وردود فعل تباينت بين آمل ومشكك في جدواها،قياساً بالمحاولات المماثلة خلال السنوات الماضية.
ويؤكد القائمون على المبادرة أنها تختلف في شكلها وتنظيمها وظروفها الميدانية والزمنية عن كل ما سبق، مع الحديث عن مراسلات مع جهات دولية وأممية لعرض مطالب المشاركين وطلب مساندتهم.
بين الأمل والفقاعة الإعلاميّة
لم يبق أمام جمال، السوري المقيم في ولاية مرسين التركية، من أمل بالوصول إلى أوروبا سوى “قافلة النور” بعد 3 محاولات فاشلة، “ساهمت إلى حد كبير في تدهور حالته المادية” نتيجة المبالغ التي صرفها على طريق تحقيق “حلمه في بلوغ هولندا”.
ويروي الرجل البالغ من العمر 39 عاماً، والمنحدر من إحدى قرى الريف الغربي لمدينة حلب قبل أن يغادرها في عام 2013 لـ”النهار العربي”، تفاصيل المغامرات التي أقدم عليها على أمل الاجتماع بشقيقه الأصغر في أمستردام، الذي “اتّخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب بمغادرة تركيا” بعد أقلّ من عام من وصولهما إلى مرسين سويّة.
يقول جمال: “كل شيء كان جيداً عند وصولنا أنا وزوجتي وأخي إلى مرسين، فالمدينة الساحلية كانت أجمل من اللاذقية السورية وبيروت اللبنانية التي لم أزر غيرهما في حياتي، وعملي كان مستقراً في فرن للمعجنات، لم أفكر في الهجرة أبداً في حينه، وتجادلت مع شقيقي الأصغر الذي شد الرحيل مع مجموعة من أصدقائه إلى أوروبا”.
ويضيف وهو والد لثلاثة أطفال ولدوا في تركيا: “لكن الوضع اختلف كلّياً اليوم، بخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، وأنا اليوم نادم على قرار البقاء في تركيا، وهذا الندم دفعني إلى القيام بثلاث محاولات من أجل الوصول إلى أوروبا، باءت بالفشل بسبب كذب المهرّب في إحدى المرّات وظروف كورونا القاهرة في المرة الثانية، وتشديد اليونان الإجراءات الحدودية في المرة الأخيرة، كانت نتيجتها خسارتي كامل مدّخراتي”.
ويشرح جمال نشاطه في معظم مجموعات التواصل الاجتماعي التي تنقل أخبار اللجوء وقوانين البلدان التي تعلن نيتها استقبال أعداد من اللاجئين، وسط خيبة أمله من عدم توافر معظم الشروط المطلوبة في شخصه، بدءاً بالشهادة الجامعية، وصولاً إلي إتقان اللغة وهو الذي لا يزال يواجه صعوبة في تحدّث التركية، رغم قدرته على فهمها.
وبالكثير من الحماسة يوضح جمال أن “قافلة النور” تبدو كأنها الأمل الوحيد لتحقيق الحلم الجديد، لكن حتى الآن كل ما يُتداول “حكي بحكي” بحسب قوله “بانتظار الخطوات العملية، بخاصة أن معظم الحسابات المتابعة للحملة تبدو أنها عائدة للاجئين مقيمين في اسطنبول، وبالتالي أخشى أن تقتصر القافلة على المغادرين من اسطنبول والولايات القريبة منها فقط، نظراً إلى كونها النقطة الأقرب إلى الحدود البرّية مع اليونان”، مؤكداً عزمه على “الانضمام إلى القافلة وحيداً، على أمل لمّ شمل عائلته بعد وصوله إلى وجهته النهائية”.
وأعرب فداء، وهو اسم مستعار للاجئ سوري مقيم في مدينة كلّس التركية الحدودية مع سوريا، عن شكوكه في “جدّية المدى الذي يمكن أن تصل إليه القافلة، التي لا تبدو أكثر من فقاعة إعلامية حتى الآن، وقد تم تضخيمه إعلامياً على خلاف الواقع”.
وأضاف الشاب الأربعيني المتزوج، ووالد طفلين ولدا في تركيا: “يبدو لي أن حدث القافلة لن يستمر طويلاً، ولن يؤدي إلى أي نتيجة، والعديد من السوريين في محيطي يشاركونني هذا الرأي”.
مستمرّون حتى الوصول إلى أوروبا
في المقابل، يؤكد القائمون على “قافلة النور” مواصلة المشوار “حتى إيصال القافلة إلى برّ الأمان” من دون الاكتراث للانتقادات الموجّهة إليهم وإلى مبادرتهم التي يصرّون على كونها إنسانية وغير مسيّسة.
ورداً على استفسارات “النهار العربي”، يوضح “الناطق الإعلامي باسم القافلة”، عبد الله، الذي رفض خلال التواصل معه من خلال منصّة “تيليغرام” الكشف عن تفاصيل شخصيّة، أن “الهدف من القافلة الوصول إلى طريق الأمان وتأمين حياة كريمة للجالية السورية الموجودة في تركيا”، مشيراً إلى أن القائمين على المبادرة يبذلون جهوداً في سبيل تحقيق هذه الغاية، أهمّها “التواصل مع المنظّمات بهدف حمايتها على طريق الوصول إلى برّ الامان”.
خلال أيام بلغ عدد المتفاعلين مع “قافلة النور” عبر مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الآلاف، فيما يؤكد عبد الله أن عدد الذين أعربوا عن نيّتهم الانضمام إلى القافلة مع حلول ساعة الصفر يقدّر بنحو 80 ألفاً حتى الساعة.
لكن الاهتمام الكبير بالقافلة، والناتج من اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية على اللاجئين السوريين في تركيا، لم يمنع العديد من التعبير عن مخاوفهم في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء لجهة ردود الفعل المتوقّعة من السلطات التركية على مثل هذا التحرّك، أو الخشية من أن يؤدي التركيز الإعلامي الغربي إلى اتّخاذ دول الجوار، وبخاصة اليونان، إجراءات أكثر تشدداً، ما يزيد من مخاطر إجهاض المبادرة.
“النور” ليست القافلة الأولى، بعد تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين وتحوّلهم إلى محور تجاذب بين الموالاة والمعارضة المتّفقتين على ضرورة اعادتهم إلى بلادهم، مع فارق الشكل واختلاف خريطة الطريق لتلك العودة. فقد سبقتها قافلة “عابرون لا أكثر” البحرية وقافلة “الأمل” البرية، وكلتاهما فشلت في تجاوز إجراءات خفر السواحل وحرس الحدود اليونانية المشددة.
ويردّ عبد الله على هذه المخاوف بالقول: “خطتنا إيصال القافلة إلى الحدود اليونانية، ومن ثم الانتظار إلى حين فتح الحدود (طواعية) أمامنا. نحاول حشد الدعم من الدول (الأوروبية) للمساعدة في الأمر. فهدفنا ليس التخريب أو زعزعة الاستقرار أو الأمن، لا في تركيا، التي احتضنت الشعب السوري على مدار الأعوام السابقة، ولا في اليونان أو أي مكان آخر”.
بانتظار ساعة الصّفر
في مجموعات “تيليغرام” ومنشورات “فايسبوك” و”تويتر”، يقوم المسؤولون عن الحملة بنشر الإرشادات والتعليمات والأخبار الخاصة بالمبادرة والتحذير من الأصوات المشوّشة عليها، وشحذ همم المنتظرين بتحميل مقاطع فيديو تؤكد الحظوظ الكبيرة لنجاح الحملة وأقوال الواثقين بنجاعتها، مطالبين إياهم “بالصبر حتى تحين ساعة الصفر”.
وحول عدم تحديد موعد لانطلاق “قافلة النور” والاكتفاء فقط بالإشارة إلى أن “ساعة الصفر قريبة جداً، وستكون من جميع الولايات التركية في وقت واحد”، يكشف عبد الله أنه ورفاقه “تواصلوا أيضاً مع لجنة الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة”، وهو ما يفسّر سبب التأخر في التحرّك لجهة الحصول على دعم أممي على درب الهجرة المفروشة بالعقبات.
وبينما يؤكد عبد الله أنهم لم يتواصلوا مع أي جهة سياسية سورية، بمن فيها “اللجنة المشتركة” أو “الحكومة الموقتة” (التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب)، وأنهم ينتظرون التواصل منهما، شدد على أن “القافلة لا تحمل أي توجّه سياسي”، إلا أن المنشورات الترويجية للقافلة، على قلّتها، تحمل مصطلحات تشير بوضوح إلى توجّه القائمين عليها لناحية استخدام مصطلحات “الثورة السورية” و”الفرج العاجل عن المعتقلين” وغيرها.
وسرعان ما انتشرت حسابات أخرى على منصّات التواصل الاجتماعي تحمل الاسم ذاته، كان أكثرها لفتاً للانتباه المجموعة التي عرّفت عن نفسها بأنها “تتبع لقافلة النور” المزمع تحرّكها من إدلب للانضمام إلى المهاجرين من تركيا، بحسب ما تعرّف عن نفسها.
وسط الدعوات إلى الإضراب عن العمل، وازدياد الضغوط على الناشطين السوريين المعارضين للإجراءات الحكومية التركية الهادفة إلى تسريع عملية “عودته الطوعية” قبل انتخابات عام 2023 المصيرية، تبدو “قافلة النور” صفحة جديدة في كتاب “التغريبة السورية” المتواصلة منذ أكثر من عقد من الزمن.