راهنت روسيا، قبل بضعة أشهر، على قدرة أوروبا على الصمود خلال فصل الشتاء شديد البرودة بدون الغاز الروسي الذي يستخدم في التدفئة، في وقت تستعد القارة لأزمة طاقة.
وأكدت صحيفة “وول ستريت جورنال”، هذا الصدد، أن أوروبا نجحت في تجنب “السيناريو الأسوأ” لأزمة الطاقة من خلال سلسلة من الإجراءات، بما فيها إمدادات بديلة وخفض الاستهلاك.
وقبل أسبوعين، انخفض سعر الغاز الطبيعي في أوروبا إلى أدنى مستوى له منذ غزو روسيا لأوكرانيا بفضل شتاء معتدل، حيث بيع أرخص بخمس مرات تقريبًا مما كان عليه في آب (أغسطس).
ووضعت الجهود المبذولة في جميع أنحاء القارة لتوفير استهلاك الطاقة وموجة من درجات الحرارة المعتدلة نسبيا، أوروبا على المسار الصحيح لتفادي أزمة الطاقة المنهكة التي كان يخشى الكثيرون منها عندما قطعت روسيا إمداداتها من الغاز الطبيعي العام الماضي.
وتستهلك الأسر والشركات في أوروبا حجم أقل بكثير من الطاقة مما كان متوقعا. وقدمت الأسعار التي تظل مرتفعة حافزا قويا لاستخدام كميات أقل من الغاز والكهرباء.
ويقول مسؤولون ومحللون إن حملات التوعية العامة التي أطلقتها الحكومات الأوروبية لتشجيع الناس على توفير الطاقة تبدو ناجحة.
وقال رئيس قسم الكفاءة في وكالة الطاقة الدولية بريان ماذرواي: “هناك وعي حول كيفية استخدامنا للطاقة ومقدار تكلفتها وهذا أكبر من أي وقت مضى”. وأضاف أن “الاستجابة كانت لافتة للغاية”.
ووفر انخفاض الطلب مخزنا أمنيا مؤقتا لإمدادات الغاز في أوروبا، والتي ابتعدت عن روسيا منذ غزو أوكرانيا إلى منتجين آخرين، وخاصة الولايات المتحدة والنروج.
وكان أكبر مصدر للإمداد الجديد هو استيراد الغاز الطبيعي المسال بشكل أساسي من الولايات المتحدة، حيث تتسابق القارة لبناء محطات جديدة لهذا النوع من الغاز مع افتتاح آخرها يوم الجمعة في لوبمين على الساحل الشمالي لألمانيا.
وتمتلئ مساحة تخزين الغاز في أوروبا بحوالي 82%، وهي أعلى بكثير من المستويات العادية البالغة حوالي 65% في هذه المرحلة من الشتاء.
خلال الصيف الماضي، كانت هناك مخاوف بشأن إمدادات الطاقة في فصل الشتاء عندما بدأت روسيا في حزيران (يونيو) بقطع شحنات الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم”، الشريان الرئيسي لاستيراد الغاز الطبيعي بالنسبة للقارة الأوروبية.
وقالت أوروبا إن هذه الخطوة هي محاولة من الكرملين لمعاقبة القارة لدعمها أوكرانيا بالمعدات العسكرية والعقوبات ضد موسكو. وبدأ المسؤولون الروس في استفزاز أوروبا بتحذيرات من أن القارة ستتجمد مع حلول الشتاء.
وأدى قطع الإمدادات الروسية إلى جعل أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال، الذي يتم نقله بشكل أساسي عن طريق السفن وهو أغلى بكثير من الغاز الذي يصل عبر خطوط الأنابيب. وخفضت أوروبا استهلاكها للطاقة دون إحداث تأثير كبير في النمو الاقتصادي.
وانخفض الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 20% في الربع الرابع مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
في فرنسا، انخفض استهلاك الكهرباء خلال الشهر الماضي بنسبة 10% تقريبًا بعد درجات الحرارة المعتدلة. وكان استهلاك الغاز في ألمانيا أقل بنسبة 15% من المتوقع، وفقا لهيئة تنظيم الطاقة الألمانية.
كذلك، خفض المصنعون استهلاكهم للغاز عن طريق التحول إلى زيت الوقود حيثما أمكن ذلك أو التخلص من النفايات من عملياتهم الصناعية.
ويعمل آخرون على تقليص التصنيع الذي يعتمد على الغاز واستيراد البدائل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط ومناطق أخرى بإمدادات أرخص بكثير من أوروبا.
قال سفين توري هولسيثير، الرئيس التنفيذي لشركة “يارا الدولية”، وهي شركة منتجة للأسمدة تعد واحدة من أكبر مستهلكي الغاز في أوروبا، إن “القدرة على التكيف وتحسين الكفاءة تجاوزت ما اعتقدت أنه سيكون ممكنا بالعودة إلى الصيف الماضي”.
ويرى المحللون أن قدرة أوروبا على خفض استهلاك الطاقة هذا الشتاء تظهر كيف يمكن للمنطقة حماية اقتصادها من صدمات الطاقة الخارجية.
وقال ماذرواي من وكالة الطاقة الدولية: “في منتصف السبعينيات عندما شهدنا أول أزمة نفطية، كان هناك ثورة حقيقية في كفاءة الطاقة”. وتابع: “يمكن اليوم أن نشهد بداية فترة أخرى من هذا القبيل”.