- أسرار وحكايات وراء قصة كفاح البطل المصري الدكتور محمد خضر في أرض المهجر
- بطل العالم في الجودو خمس مرات.. أستاذ الهندسة الطبية بجامعة تورنتو بكندا.. جائزة التميز بكندا عامي 1993 و1996 ولقب ب”رجل العام” بجامعة تورنتو في 2007
- مواجهة الخوف وعدم السماح له بالتسلل داخلك.. التسلح بالإيمان وبالله عز وجل.. الإيمان بالقضاء والقدر، ترك أفكار الآخرين السلبية، والسعي لتحويل التعاسة إلى حظ سعيد.. وصايا خضر للشباب عن أسباب النجاح والوصول للقمة.
- عندما طلب الأمريكان أن يحضر خضر لأمريكا لتدريبهم على حل المشاكل التقنية
- الكنديون قاموا بتعيين خضر بالجامعة بعد أن أصلح عطلا تقنيا عجزوا عن إصلاحه وسط دهشة الجميع
د. محمد خضر:
- تركت مصر بجسدي ولكنها في قلبي وعقلي ووجداني
- أهم نصيحة كانت من والدي وهي “التدريب مقابل النجاح الجيد”
- الجزائريون والمغاربة احتفوا بي في فرنسا أثناء بطولة العالم.. مما أعطاني دفعة معنوية كبيرة
- تحديت بطل البرازيل المغرور واستطعت هزيمته بالإصرار والتحدي
حسام مقبل
“لكي تصبح إنسانا جيدا، فالأمر لا يعود إلى المكانة، الأصل، العرق، اللون، أو حتى الثقافة والاتجاه السياسي.. الأمر هو كيفية معاملتك للآخر أيا كان”.
هكذا يصف بطل العالم خمس مرات في الجودو، المصري الأصل الدكتور محمد خضر الأستاذ بجامعة تورنتو بكندا الحياة في كلمات قليلة تعتبر روشتة لأي شاب مقبل على الحياة وعلى السفر.
ويزيد قائلا “ليس بالضرورة أن تنجح في كل شيء تخوضه، استمتع بالنجاح، تقبل الفشل، وامض في حياتك بقلب يملؤه الرضا، والثقة بالله”.
عندما تحدثت هاتفيا مع الدكتور محمد خضر، شعرت أني أعرفه من فترة طويلة، فهو ودود جدا، وابن بلد، وفعلا “من تواضع لله رفعه”، وهي من أهم صفات بطلنا الرياضي الطائر المهاجر صاحب قصة الكفاح الرائعة والتي تصلح لتكون فيلما سينمائيا يشاهده الشباب ليكون قدوة ومثل أعلى.
وقام الدكتور محمد خضر بتوثيق قصته لكل الأجيال القادمة من خلال كتاب أصدره بعنوان “قصة كفاح” عن سنوات الكفاح في أرض المهجر، وقدم في الكتاب تاريخ حياته وخلاصة تجاربه لتكون نموذجا للشباب يحتذي به، وكتب مقدمة الكتاب كل من الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة المصري، والكابتن محمد رشوان بطل العالم السابق في رياضة الجودو والنموذج المشرف للروح والأخلاق الرياضية.
ويتميز الدكتور محمد خضر بالغزارة في العلم والمعلومات، خاصة أنه يجمع بين الجانب الرياضي البدني وبين الجانب الأكاديمي العلمي، كما أن لديه تأملات روحانية رائعة في ملكوت الله، ويذكرني كثيرا بالدكتور مصطفى محمود رحمه الله وبرنامجه “العلم والإيمان”.
ويؤكد الدكتور خضر قائلا “أن الحياة مكسب وخسارة، مع كل تجربة أيقنت أن مواجهة الخوف وعدم السماح له بالتسلل داخلي هو أول الطريق لمتابعة تحقيق حلمي، تسلحت بالإيمان وبالله عز وجل وأيقنت بحكمته في القضاء والقدر، وأن الله يعطي الجميع سبل القوة والشجاعة التي تساندهم، تركت أفكار الآخرين السلبية، وهربت من نمط حياة تحد من تحقيق الحلم، وكان السعي هو ما يحول التعاسة إلى حظ سعيد”.
ويضيف “ما زلت أعيش بهذا اليقين، لذلك أريد أن أخبر كل شخص أراه، لا تجعل أي شيء يوقف خطواتك أو يعوق سعيك نحو ما تريد، أطفئ كل ما يمنحك طاقته السلبية الكئيبة، طالما أردت فسوف تحقق ما سعيت إليه، الجميع قابل وواجه الصعاب والرفض والحزن، لكن معادلة الطريق الصحيح تكمن في عدم اليأس والملل والسماح للحزن والظروف الصعبة أن تحطمنا أو تعود بنا إلى الوراء، بل استمرار المحاولات والتسلح بالإيمان بالله سبحانه وتعالي والعزم والصبر، تمكن للوصول إلى ما كنا نطمح إليه في يوم من الأيام”.
محمد خضر في سطور
ولكن من هو الدكتور محمد خضر بطل قصتنا اليوم والطير المهاجر، هو عالم مصري- كندي، حصل على منصب أستاذ بجامعة “تورنتو” بكندا منذ عام 1996 في مادة الهندسة الطبية، وكان عضوا بهيئة تدريس العاملين كمدير شبكة بالجامعة، كما كان قائد الفريق التقني في قسم الطب لعدة سنوات ومحلل نظم كبير في كلية الدراسات المستمرة في الفترة من 1998 إلى 2002.
شغل منصب مدير الشبكة بجامعة تورنتو بكلية الهندسة الكيميائية والكيمياء التطبيقية في الفترة بين 1996 حتى 1998، ثم تولى منصب مسؤول نظام يونكس، وسن UNIX , SUN في كندا عام 1999.
حصل على الكثير من الجوائز العلمية طوال مسيرته المهنية أبرزها جائزة التميز لعام 1993 عن “تحسين إشارة تخطيط القلب عن طريق تطوير تحليل ثلاثي الأبعاد جديد”، وجائزة التميز عام 1996 عن “ترقية البنية التحتية لتقنية المعلومات والقيادة” بقسم الهندسة الكيميائية بجامعة تورنتو، وحصل على لقب “رجل العام” بالجامعة في 2007
وسط كل هذا الزخم العلمي والأكاديمي، وأثناء مسيرة علمية مبهرة، حصل على بطولة العالم في الجودو خمس مرات في كل من عام 2005 بكندا، 2006 بفرنسا، 2007 بالبرازيل، 2009 في اطلنطا بالولايات المتحدة، 2012 في ميامي بالولايات المتحدة.
ويروي د. محمد خضر عن رحلته قائلا “في رحلة المهجر، خلفت ورائي ذكرياتي الجميلة في مصر، تركتها بالجسد، ولا تزال عالقة في ذهني وقلبي وعقلي، لم تفارقني لحظة واحدة هي وأيامها وكل ما فيها، ليست مجرد أماكن تنقلت بها، لكنها أشخاص وحياة تحمل السعادة والأسى، الفشل والنجاح، الفرح والحزن، كل المشاعر التي يمكن أن يعيشها الشخص منذ البدايات المليئة بالكد والتعب والمشقة وغالبا ما تنتهي بالنجاح”.
ولكن من لم يكن له تاريخ لن يكون له حاضر، وكما قال الأجداد “من لم تكن له بداية محرقة.. لم تكن له نهاية مشرقة”، هكذا يؤمن خضر ويوجه رسالة مباشرة للشباب ولكل من يحلم بالسفر قائلا “كثيرون ممن يحلمون بالسفر للخارج لبناء حياتهم يعتقدون أن البداية ستكون عقب وصولهم لدولة المهجر، لكن الحقيقة عكس ذلك، فالبداية هي منذ قررت أن ترسم حياتك بعدها- أينما ستكون- مجرد محطات تنتقل إليها، مثل بناء جديد، كي تنتقل إلى طابق آخر فلابد أن تستكمل ما بدأته حتى تكون راضيا عنه، وقد أفرغت فيه كل طاقتك”.
صدقني.. البلد الذي سيستقبلك لن يمنحك إلا قدر ما ستعطيه إيه، لن يمنحك الكثير طالما تفتقده أنت ولهذا فإن موطنك أيا كان هو البداية الحقيقية التي تحتاج منك أن تمد جذورك فيها.
تنتمي جذور الدكتور محمد خضر إلى أسرة متوسطة الحال، ولدت في منطقة شعبية تقع بالعاصمة المصرية القاهرة، بين “كوبري القبة” و”منشية الصدر” وهي منطقة معظمها عائلات تمتعت بتعليم جيد ودخل مناسب.
عشق الرياضة منذ سن صغيرة، وكان يتطلع للعب الرياضات القتالية وعمره لم يتجاوز العشر سنوات، ووقتها كان متأثرا كثيرا بالملاكم الشهير محمد علي كلاي وبطولاته، فكان يتابع أخباره عبر الراديو، وحلمه أن يصبح رياضيا مشهورا وملاكما قويا مثله، خصوصا لأنه يعيش بمنطقة شعبية، وكان يرى منذ صغره لجوء البعض لاستخدام قوتهم الجسدية في استغلال ضعف الآخرين وترهيبهم ومحاولة السيطرة عليهم، فشعر أنه يريد أن يتعلم رياضة دفاع عن النفس لتزيد ثقته بنفسه، وليدافع عن أي ضعيف.
يتذكر د. خضر بداياته قائلا: كنت أبحث عن مكان مخصص للتدريب، فذهبت لمركز شباب اتحاد الشرطة وأنا طفل صغير كي أبدأ مشواري وأحقق هدفي، وأتذكر عندما قابلني مدير المركز وسألني “أنت جاي عايز تعمل إيه يا شاطر؟” فأجبته “أنا عايز ألعب بوكس”، فأخبرني وقتها أن سني صغير على هذه اللعبة، ولكن يشاء القدر أن يكون هناك وفد ياباني لتدريب وتعليم رياضة الجودو يزور المركز في الوقت نفسه، ولاحظوني أثناء حديثي مع المدير، فسألوه عني، واقترحوا أن يقوموا بتدريبي على رياضة الجودو، ولم أكن أعلم وقتها بهذه الرياضة، فشرح لي المدير عنها، فأعجبتني، وبدأت التدريب وقتها مع مدرب مصري.
التدريب مقابل النجاح
وهكذا كانت بدايتي مع رياضة الجودو وأنا صغير، وعندما علم والدي بذلك، كان له رد فعل حكيم أثر على حياتي كلها، قال “التدريب مقابل النجاح الجيد في المدرسة”، وكانت صفقة رايحة للغاية وحفزت عندي الإرادة والعزيمة، فكنت أتفوق في الدراسة مقابل أن أستمر في التدريب، واستمريت حتى بدأت أحقق شهرة في رياضة الجودو، وكنت أتدرب وقتها في نادي النصر بمصر الجديدة، وكان معي وقتها عظماء الجودو في مصر، ورغم مستوانا الرياضي العالي، إلا أن مستوانا المادي الضعيف جعلنا نكافح قدر استطاعتنا، حتى انتقلت كمتدرب في نادي هليوبوليس بسبب انجازي الرياضي وحصولي على عدة بطولات، حيث لم أكن استطيع تحمل ثمن العضوية به، وتدربت هناك مع مدرب ياباني اسمه “ياماموتو” والذي اعتبره الأب الروحي لي في رياضة الجودو، ولم أكن استطيع المشاركة في بطولات دولية لصغير سني، لكني واظبت التدريب مع معلمي الياباني، والمدرب المحبوب إلى قلبي “عمو زين” والذي كان الحارس الشخصي للرئيس الراحل حسني مبارك، والذي كان يعتبرني مثل أبنه، وأيضا “الكابتن عمر” وكلهم شخصيات لا أستطيع نسيانها لأنها أثرت في وفي رحلتي بالجودو، ودفعوني لاستخدام عقلي في الفوز أكثر من استخدام قدراتي الجسمانية، لذلك كانوا يقولون أني أمارس الجودو الياباني، وليس الجودو المصري.
أصعب مقابلة للباشمهندس خضر
وبفضل تفوقي الدراسي، -والكلام ما زال على لسان د. محمد خضر- التحقت بكلية الهندسة، بجانب مسيرتي بالجودو، وصرت من أوائل دفعتي، وكنت أحلم بالعمل في واحدة من الشركات الأجنبية في مصر، وتحققت أمنيتي بعد التخرج عندما علمت أن شركة ألمانية فرنسية تبحث عن الكوادر من الخريجين المتميزين لتوظيفهم لديها، والراتب كان بالدولار الأمريكي، وكان من يدخلها يعتبر من المحظوظين.
كان الأهم هو اجراء المقابلة الوظيفية والمعروف عنها أنها صعبة جدا ومتعددة المراحل، واستطعت الوصول إلى المقابلة النهائية مع شخص فرنسي لبناني ما زلت أتذكر اسمه “بول حداد” معروف عنه الحدة والصعوبة وعرفت أن مقابلته أصعب مرحلة، ومن يحوز على قبوله يعتبر اسمه مدرجا في لائحة العاملين بالشركة.
تسلحت بالأمل والتحدي وجلست في مكتب السكرتارية أنتظر مقابلته، وعندما دخلت فوجئت بتوجيهه أسئلة مدهشة وغريبة، لا تحتاج إلى مادة علمية بقدر ما تحتاج إلى الذكاء وحضور الذهن، حتى وصلنا للسؤال الأخير وقال لي “يا محمد.. أنت روحت ألاسكا قبل كده؟ أو تسمع عنها؟” قلت له “أعرفها لكن لا أعرف مكانها بالضبط، هي غالبا بالقرب من كندا”، قال لي “ألاسكا بلد كلها جليد.. شفت الفريزر في الثلاجة.. هناك حوالي 50 تحت الصفر، لو بعتك تشتغل هناك توافق أم لا؟”
كان السؤال غريبا ومفاجئا، يحتاج إلى واقعية ومنطقية، فكرت لحظات ثم قلت له “أريد أن أسألك سؤالا”، قال لي “أنت جاي تعمل انترفيو.. أنا اللي أسألك” ثم بدأ يضحك، قلت له “هو سؤال بسيط” قالي “اسأل”.. قلت له “هل أرسلت مهندسين هناك من قبل؟” قال “نعم”، رديت “هل ما زالوا على قيد الحياة؟” قال “نعم”، قلت “إذن أنا معنديش مانع أن أذهب هناك، لأني سأعيش مثلما عاشوا، ولا توجد لدي مشكلة”.
ابتسم ابتسامة كبيرة، ومد يده بالسلام، وقال لي “أنت عارف أنا باعمل انترفيوهات كتير جدا، منذ أكثر من 25 عاما، وأنت أحسن واحد جاوب على هذا السؤال، وسأضع إجابتك في مذكراتي”.
ويبدو أن “بول حداد” هذا كان يتنبأ لمحمد خضر أنه سيذهب لبلاد الثلوج كندا، وأنه سيقضي حياته هناك.
بداية التميز التقني
ويقول د. خضر: التحقت بالشركة في مصر، ولكن لم أستمر فيها مدة طويلة، وانتقلت لشركة أخرى في مجال الكمبيوتر، كانت أقرب لمجال تخصصي، وعملت على أجهزة كمبيوتر عملاقة وكنت أشعر بالسعادة وأنا أمارس هذا العمل، خاصة لحظات فك وتركيب القطع.
كانت أول مشكلة تقابل الشركة وجود أجهزة غير قابلة للصيانة، بمعنى أنه عندما يحدث بها خلل أو عطل لابد من تغييرها بالكامل، وكانت الشركة تدخر كمية من الأجهزة غير الصالحة وترسلها للشركة الرئيسية بأمريكا لاستبدالها بوحدات أخرى، وكان أول مشروع قمت به في الشركة هو صيانة هذه الوحدات ومحاولة تصليحها واكتشاف عيوبها، والحمد لله استطعت تحقيق هذا الأمر، وعرفت سبب العطل المسؤول عن إحداث الخلل بهذه الوحدات، وعندما عرفت الشركة الرئيسية بما قمت به طلبوا أن أذهب لهم وأشرح لهم كيف استطعت التوصل لحل المشكلة ومعالجة الخلل، وبالفعل ذهبت هناك واستقبلوني استقبالا رائعا، وشرحت لهم حل المشكلة وكيفية المعالجة.
عملت بعدها في شركة أخرى بالسعودية، وحدث عندما وقعت حرب الخليج وتوقفت حركة الطيران، حدثت أزمة في جهاز الحاسب الآلي المركزي، مما تسبب في توقف حركة الاتصالات والبيانات بين شبكة أجهزة الحاسب الآلي، وقتها طلبوني أنا ومهندس أنجليزي آخر في منتصف الليل لصيانة الجهاز، وعندما فحصنا المشكلة وتوصلنا للعطل في أحد القطع الخاصة بالذاكرة، لم تكن هناك قطع غيار متوفرة لها، وبسبب توقف خطوط الطيران لم يكن متاحا استيراد القطع، وكانت مشكلة كبيرة وصلت لكبار المسؤولين بالسعودية، وكان يتحتم علينا إيجاد حل لإنقاذ الامر، وبدأت أتفحص الدوائر وأحاول صيانتها وإعادتها للعمل مجددا، ومع حلول السادسة صباحا كنت قد استخدمت كافة قدراتي، وتمكنت من تشغيل الأجهزة مرة أخرى، وكان أمرا غير معتادا، وسألني المهندس الإنجليزي “كيف فعلتها؟”.
هذا النجاح حقق لي شهرة كبيرة داخل المملكة، وبناء عليه انتقلت للعمل بالرياض بشركة كبيرة هي توكيل لإحدى الشركات الأمريكية وتهتم بكل ما يخص الاختراعات والتكنولوجيا الحديثة، وكنت أسافر لحضور دورات بالولايات المتحدة الأمريكية لمواكبة كل ما هو حديث في علوم التكنولوجيا، وبدأت أوثق علاقاتي بالخبراء في هذا المجال.
بداية التفكير بالهجرة
وبدأت أفكر وقتها في الهجرة إلى كندا، وعندما علم المسؤولون بالشركة اقترحوا أن أقدم على وظيفة في فرع الشركة هناك، ولكن رغم عروض الشركة ومسيرتها المادية إلا أن ذهني كان يتطلع إلى هدف آخر لا يهمني فيه الدخل المادي قدر اهتمامي بمتابعة التطورات التكنولوجية.
ولكن صدمت عندما ذهبت لمقابلة في فرع الشركة بكندا، وكان في مدينة “ميسساجا” بولاية أنتاريو أن هناك يطلبون ما يسمى بالخبرة الكندية، وكنت أول مرة أسمع بهذا الأمر، بمعنى أنك لو كنت طبيبا لمدة 30 عاما في مصر، فعند سفرك إلى كندا ستحتاج إلى خبرة أخرى لكن “كندية”، ولم يكن هذا السبب هو الوحيد لرفضي بالشركة، ولكن أيضا لم تكن هناك وظيفة متوفرة لتخصصي.
واقترحت الشركة وقتها أن أقوم بالعمل لدى أحد عملائها وهي جامعة تورنتو، وتم ترتيب مقابلة لي في الجامعة للعمل هناك بدلا من الشركة، واعترض كثير من أصدقائي بكندا، لأن هناك صعوبة كبيرة للتعيين في تلك الجامعة الشهيرة وأنه حتما سيتم رفضي بسبب افتقاري للخبرة الكندية، بجانب أن الأولوية للتعيين داخل الجامعة ستكون للعاملين بها.
وذهبت للمقابلة وكانت بحضور لجنة مهيبة تتكون من: د. ديفيد بوكوك عميد كلية الهندسة الكيميائية وأستاذ الموارد البشرية، وأيضا د. كيم وودهاوس مدير الأساتذة بالكلية، كان ذلك الحشد لأهمية تلك الوظيفة وصعوبة الالتحاق بها، دخلت إليهم متسلحا بالدعاء والإرادة.
وعندما سألوني عن وقت حضوري لكندا، فوجئوا أني وصلت من أسبوع، وأنها أول زيارة لي، فاندهشوا لجرأتي في التقديم لتلك الوظيفة رغم صعوبتها وتعليمات القوانين بوجوب الخبرة لفترة محددة داخل كندا، رديت على اللجنة قائلا “هل حضراتكم تريديون مهندسا يقوم على حل المشكلات التكنولوجية وأعطال الأجهزة في أسرع وقت، أم تريدون مهندسا يتبع اللوائح والقوانين الوضعية التي ليس لها وجه إفادة من الناحية العملية؟”
ردوا قائلين “وما يضمن لنا أنك ستقوم بحل هذه المشكلات؟” فاقترحت عليهم مشاهدتي عمليا وأنا أقوم بصيانة عطل ما لديهم، فعرضوا علي جهاز به عطل يصعب إصلاحه، فقمت بإصلاحه وسط اندهاشهم، مما جعلهم يقبلونني للعمل وسط اندهاش أصدقائي وزملائي.
العودة إلى الجودو مجددا
بعد التحاقي بالعمل في الجامعة وإثبات قدراتي بدأت أفكر في الجودو ومتابعة تدريباتي من جديد للحفاظ على لياقتي البدنية في هذا التوقيت كان أبني أحمد لا يزال طفلا، ويطمح لممارسة رياضة الجودو هو الآخر، بالفعل ذهبنا لشراء ملابس التدريب وللصدفة علمت أن صاحب المتجر كان أحد لاعبي الجودو، وأننا تواجهنا في مباراة قبل ذلك في مونت كارلو بفرنسا، وتلقيت دعوة منه لمشاهدته أثناء التدريب، وكان الرجل عضوا في اتحاد الجودو ومدربا كبيرا للأشبال في تورنتو، وكان هذا اللقاء سببا في بداية رجوعي للجودو.
وفي عام 2005 وأثناء تحضير كندا لبطولة العالم، أصيب اللاعب الكندي الإنجليزي رون أنجوس والذي كان سيخوض بطولة العالم باسم كندا، وهو في نفس وزني (90) كيلو، ورشحني اتحاد الجودو لخوض هذه المنافسة، فبدأت مرحلة التمرين الشاق وتجهيز نفسي بشكل يومي، وكنت أسافر بين مدينتين يوميا لوجود مدربي في مدينة أخرى.
وعندما جاء موعد البطولة وكان جزء منها بكندا، والآخر بجامعة بافلو بالولايات المتحدة، كنت قد أعددت لها جيدا واستطعت الفوز بالمباراة الأولى، ثم الثانية، حتى أن الكنديين اندهشوا بشكل كبير، وكان يتساءلون من هذا الرجل؟ لأنهم لم يروني من قبل، وبدأوا البحث عني وتشجيعي حتى أحرزت البطولة، وكانت دفعة جديدة لي في مشواري، وحتى في داخل عملي بالجامعة واشتهرت أيضا بين الجالية العربية بكندا.
حصولي على البطولة لم يكن نهاية الطريق، حيث بدأت الاستعداد لبطولة العالم التالية في “تارو سيتي” وهي مدينة أوليمبية في العاصمة الفرنسية باريس، كان ذلك في 2006، وكنت أجد دعما نفسيا كبيرا خاصة من الجامعة الذين دعموني وشجعوني كثيرا، واستطعت الفوز بالبطولة والحمد لله.
ومن الطرائف أنني في فرنسا عرفت بوجود مطعم جزائري قريب من الفندق، فذهبت لأتناول مأكولات شرقية، وكانت المفاجأة عندما دخلت المطعم أن صوري معلقة على الجدران في أماكن بارزة، واحتفوا بي كثيرا.
في البرازيل.. تحدي جديد
وبعد بطولة فرنسا بدأت الاستعداد لبطولة العالم في البرازيل في 2007 وكانت هذه البطولة مختلفة لأن البرازيل سمعتها في الجودو لا تقل عن سمعتها في كرة القدم، وكان علي أن أتحدى عمالقة تم تدريبهم على يد مخترعي اللعبة، وكان يجب أن أتدرب تدريبا شاقا يختلف عن أي بطولة.
وشاهدت البطل البرازيلي والذي سيكون منافسي في مباراة الافتتاح على برنامج بالتليفزيون ويحكي عن تاريخه وبطولاته، ثم سألته المذيعة عن مواجهة بطل كندا، فرد عليها أن هذا الرجل أصله مصري، وله تاريخ كبير، وهو سريع جدا في الرمي، لكن في كندا ربما صار مدللا لأن الكنديين لا يحبون العنف ومن السهل ربح هذه المباراة، كما أنه أكبر مني في العمر.
بعد مشاهدة هذا اللقاء عرفت أن هذا البطل الذي يحذرني الجميع منه، مغرور، ونصحني مدربي بأن أقوم برميه في أول دقيقة لأربح المباراة، وهو ما حدث بالفعل واستطعت الفوز، وبعد الفوز فوجئت بالجماهير والمشجعين يتسابقون لالتقاط الصور معي، غير اللقاءات الصحفية والتلفزيونية.
وبعدها بدأت الاستعداد للبطولة القادمة على الفور، وكانت في أتلاتنا بالولايات المتحدة، وكنت أتدرب تدريبات قاسية جدا خاصة عندما وجدت أن وزني زائد ثلاثة كيلو جرامات، وبالإرادة والتدريبات والجري والساونا استطعت أن أعود لوزني، واستطعت الفوز بالبطولة بفضل الله، وعدت إلى كندا حاملا لقبا جديدا لبطولة رابعة، ثم لقب البطولة الخامسة عام 2012 في ميامي بالولايات المتحدة والحمد لله.
ويختتم د. محمد خضر حديثه قائلا: “لدى كل منا بطولة حياتية يخوضها ويبحث فيها عن النجاح وإثبات الذات ويقابل خلال هذا المعترك العديد من المنافسين بعضهم ينافس بشرف، وغيرهم لديه طرق أخرى، لكن الأهم هو أن تستمر، وأن تستثمر علاقاتك بالآخرين، لا تكسب عداء أي شخص، بل حاول تكوين صدقات طيبة مع محيطينك وزملائك وجيرانك، كن أنت السيرة الحسنة والشخص الطيب الذي يمرون به في حياتهم”. والطير المهاجر الدكتور محمد خضر وقصة حياته الرائعة وسيرته الحسنة، هو نموذج مشرف لكل مصري وعربي يسافر إلى الخارج ليبدع ويكمل مسيرة نجاح كثيرون مثل أحمد زويل، فاروق الباز، مجدي يعقوب، وغيرهم كثيرون، وهو واحد من نماذج كثيرة موجودة داخل المهجر وتحتاج أن نتحدث عنها ونبرزها وهو ما سنفعله في اللقاءات القادمة