عادة ما تتابع عدسات الكاميرات النجوم فتزيدهم شهرة وتفتح لهم المزيد من الفرص والأرباح المالية، لكن وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها “تيك توك” حطمت هذه الفكرة.
فالتطبيق جعل عدسات الهواتف النقال تتابع أي شخص فتصنع منه نجما، وتساعده فى تحقيق أرباح قد تصل لآلاف الدولارات شهريا، وفي بعض الأحيان يصبح إنتاج مقاطع الفيديو لتيك توك مصدر دخل أساسي لمستخدميه.
تحدثت بي بي سي مع اثنين من المستخدمين النشطين للتطبيق حول تجاربهم وطرق تحقيق أرباح عبر “تيك توك”. فوجدنا طرقا متعددة ومبتكرة للتربح، ويبدو أن هذه الطرق تتطور بسرعة أكبر من سرعة نمو التطبيق نفسه.
من أين تأتى الأموال ؟
محمد الغندور متخصص في التسويق الرقمي وأحد مشاهير التيك توك – لديه نحو نصف مليون متابع – يجمل في حديثه لبي بي سي ثلاث طرق لتحقيق أرباح على تيك توك.
الأولى هى “الدعم المباشر” والتى يتم تقديمها لمستخدمي التيك التوك خلال خدمات البث المباشر، حيث يقدم أى مستخدم “تبرعا” لصاحب المقطع المصور للتعبير عن إعجابه بالمحتوى، هذا التبرع يكون في شكل نقاط يتم تحويلها فيما بعد إلى أموال. يختصم تطبيق تيك توك جزءا ضئيلا من هذه الأموال قبل إرسال بقية التبرع لصاحب البث المباشر.
الطريقة الثانية هي التسويق بالعمولة وهى الطريقة التى يقول الغندور إنها الأكثر انتشارا على التطبيق، وفيها تجند شركة معينة أحد صانعي المحتوى للترويج لمنتجها. ويقوم صانع المحتوى بوضع رابط معين للمنتج الذى يقوم بالترويج له ويطلب من بقية المتابعين استخدام هذا الرابط للحصول على خصم من الشركة المنتجة.
وفي المقابل يحصل الشخص الذى يتولى الترويج للمنتج على نسبة معينة من كل عملية بيع تتم عبر استخدام الرابط الخاص به. وفي حسابه على تيك توك، يركز الغندور المقاطع المصورة الخاصة به على الترويج للمنتجات الرقمية والتى يقول إن العمولة المرتبطة ببيعها مرتفعة جدا وقد تصل إلى 60 في المئة من ثمن المنتج الذى يتم بيعه.
ويحقق الغندور وهو شاب فى الثلاثينيات من عمره، من البيع بالعمولة ما يتراوح بين 1000 – 3000 دولار شهريا لكنه لا يعتمد على تيك توك كلية كمصدر للدخل فهو يعمل مديرا لشركة متخصصة في التسويق الرقمي في المملكة العربية السعودية.
الطريقة الثالثة للتربح على التيك توك هي تقديم الاستشارات للمستخدمين، وفي هذه الحالة تيك توك ليس أكثر من وسيلة للتعارف وتقديم الشخص لمهاراته ومعارفه وما يمكن أن يقدم للآخرين. فتيك توك ليس أكثر من منبر مفتوح للجميع ليقدم نفسه وما لديه للآخرين الراغبين في الاستفادة منه.
التعلم عبر تيك توك
التقط أطراف الحديث اسماعيل الأبرص وهو مخرج ويلقب نفسه بـ ” الخال ” على تيك توك ويتابعه نحو 730 ألف شخص على التطبيق، ليؤكد لبي بي سي أن ما يمكن أن يحققه منتجو المحتوى من أرباح عبر تيك توك يمكن أن يصل إلى 10 آلاف دولار شهريا إذا تم استغلال التطبيق بالشكل الأمثل.
ويضيف ” الخال ” والذى يقدم محتوى أقرب للتعليمي عن كيفية البحث عن عمل في بريطانيا وطرق الهجرة للولايات المتحدة وكندا وطرق البحث عن منح دراسية، إن التدريس عبر تيك توك أصبح موضوعا رائجا و يحقق أرباح كبيرة. فعبر تيك توك يمكن تقديم نصائح سريعة لكن من يريد أكثر حول موضوع بعينه يمكن أن يتواصل مع صانع المحتوى عبر زووم أو أى وسيلة تواصل أخرى لأعطائه مزيدا من النصائح مقابل أجر.
حاول الخال أقناعى بتقديم محتوى يتعلق بالعمل الإعلامي معللا ذلك بأن الخبرة لدى أى شخص يمكن أن تكون مفيدة للآخرين وتسهل عليهم حياتهم وفي المقابل تحقق ربحا لصاحبها.
كما يقول الأبرص، البالغ من العمر نحو 50 عاما، أن هناك طريقة أخرى للاستفادة من تيك توك وهي الترويج لمشروع معين يتبناه صاحبه ويعرضه على الجمهور بكل تفاصيله ويطلب منهم دعمه في تحقيق مشروعه أو حلمه. فالجمهور دعم المطربة السورية فايا يونان، مثلا، لإنتاج أول أغنية خاصة بها بعد إيمانه بموهبتها وجدارتها.
كل هذا إلى جانب المنافسات والمسابقات التى يقوم بها صانعو المحتوى مرة أو اثنين في الشهر والتى يتم تقديم خلالها هدايا من المتابعين للفائز عبر نظام النقاط التى يتم تحويلها لأموال.
تيك توك في أرقام
يتميز تيك توك بأنه يسمح للمراهقين من عمر 13 عاما بإنشاء محتوى خاص بهم، ويتم عرض هذه المقاطع المصورة على جميع المستخدمين و ليس فقط من يتابع الشخص كالتطبيقات الأخرى. وهذه الميزة تعنى انتشارا أكبر للمقاطع المصورة التي يتم عرضها على التطبيق.
اختبرنا بأنفسنا هذه الميزة فأنتجنا فيديو لا يحمل أى معلومة عن أى شئ، وتم تصويره بهاتف محمول في أحد شوارع لندن.
ورغم رداءة المقطع إلا أن أكثر من 1400 شخص شاهده وتفاعل معه خلال 24 ساعة. هذا الانتشار الكبير بالنسبة للمستخدمين الآخرين يترجم إلى دولارات بحسب ما أكده الأبرص والغندور.
وقام أكثر من مليار مستخدم بثبيت تطبيق “تيك توك “على هواتفهم منذ ظهوره في 2018 وحتى الآن بحسب موقع غوغل بلاي، لكن بحسب البيانات التى وردت لبي بي سي من المتحدث باسم تيك توك في الشرق الأوسط يستخدم التطبيق نحو ملياري شخص حول العالم.
وحقق التطبيق خلال فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا انتشارا كبيرا بين صفوف المراهقين والشباب تحديدا. ما رفع عدد المستخدمين النشطين للتطبيق إلى مليار مستخدم ، وذلك حسب بيانات واردة عن الشركة المالكة لتيك توك.
ويشكل اليافعين غالبية مستخدمي تطبيق تيك توك ، فـ41 % من مستخدمي التطبيق تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 عاما.
وبحسب موقع “ستاتيستا” المتخصص في إعداد احصاءات و بيانات عن المستهلكين حول العالم، ينفق المستخدمون على التيك توك 50.4 مليون دولار أمريكي.
الأمر الذى أعطى دفعة للشركة المالكة للتطبيق، فقد ضاعفت شركة بايت دانس أرباحها خلال العام الماضي لتصل إلى 34.3 مليار دولار أمريكي.
نجوم التيك توك
مع انتشار التطبيق بهذه الصورة تنوعت طبيعة المحتوى الذى يقدم عليه ليشمل كل المجالات من الطبخ إلى الكوميديا والتعليم والترفية والرياضة وتعليم اللغات والتنمية البشرية وكذلك بعض المحتوى السياسي.
وقد زادت الشركة الصينية المالكة للتطبيق – بايت دانس – زمن المقاطع المصورة التي يتم نشرها عبره من دقيقة واحدة إلى ثلاث دقائق وهو ما يعطي فرص أكبر لصانعي المحتوى لتحقيق أرباح
يقول رامي عساف وهو باحث في الاقتصاد الرقمي في بريطانيا إن مستخدمي تيك توك من المراهقين تحولوا إلى نجوم لديهم متابعين وداعمين يحبون تقديم الأموال لهم.
وشرح عساف لبي بي سي أن المتابعين يدفعون لنجومهم المفضلين على تيك توك مبلغا شهريا من المال يتراوح بين 10- 50 دولار مقابل متابعة المحتوى الخاص بهم بطريقة تشبه شراء أشرطة الكاسيت أو شراء تذاكر السينما. وهنا يختار المتابع توجيه أمواله لنجمه المفضل ويدعمه كما كان يحدث قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي .